فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة.
واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب أبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب، وذهب الشافعي إلى وجوبه وبه قال عمر وعلي وابن عباس.
واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره فحكي عن علي أنه قدره بالربع من مال الكتابة، وذهب الشافعي إلى أنه غير مقدر، وبه قال ابن عباس.
وإن امتنع السيد منه طوعًا قضى الحاكم به عليه جبرًا واجتهد رأيه في قدره، وحكم به في تركته إن مات، وحاص به الغرماء إن أفلس.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول الشافعي وأصحابه، وإذا عجز عن أداء نجم عند محله كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقًا، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه.
قال الكلبي وسبب نزول قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْرًا} الآية؛ أن عبدًا اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع حويطب فأنزل الله ذلك فيه.
قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} الفتيات الإماء، البغاء الزنى، والتحصن التعفف، ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففًا أو لم تُرِدْ.
وفي ذكر الإِكراه هنا وجهان:
أحدهما: لأن الإِكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه.
الثاني: أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه، وهذا ما روى جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبي بن سلول كانت له أمة يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الزنى فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه فقال: ارجعي فازني على آخر: فقال: لا والله ما أنا براجعة وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية، وكان مستفيضًا من أفعال الجاهلين طلبًا للولد والكسب.
{لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لتأخذوا أجورهن على الزنى.
{وَمَن يُكْرِههُّنَّ} يعني من السادة.
{فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني للأمة المكرهة دون السيد المكرِه. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى}.
هذه المخاطبة لكل من تصور أن ينكح في نازلة ما، فهم المأمورون بتزويج من لا زوج له وظاهر الآية أن المرأة لا تتزوج إلا بولي، والأيم يقال للرجل وللمرأة ومنه قول الشاعر:
لله در بني على ** أيم منهم وناكح

ولعموم هذا اللفظ قالت فرقة إن هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: 3] وقوله: {والصالحين} يريد للنكاح، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {من عبيدكم} والجمهور على {عبادكم} والمعنى واحد إلا أن قرينة الترفيع بالنكاح يؤيد قراءة الجمهور، وهذا الأمر بالإنكاح يختلف بحسب شخص شخص، ففي نازلة يتصور وجوبه، وفي نازلة الندب وغير ذلك وهذا بحسب ما قيل في النكاح، ثم وعد الله تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلب رضي الله عنهم واعتصامًا من معاصيه، وقال ابن مسعود التمسوا الغنى في النكاح، وقال عمر رضي الله عنه عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح وقد قال تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} قال النقاش هذه الآية حجة على من قال إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيرًا لا يقدر على النفقة لأن الله قال {يغنهم} ولم يقل يفرق بينهما، وهذا انتزاع ضعيف، وليست هذه الآية حكمًا فيمن عجز عن النفقة وإنما هي وعد بالإغناء كما وعد مع التفرق في قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته} [النساء: 13] ونفحات رحمة الله مأمولة في كل حال موعود بها، وقوله: {واسع عليم} صفتان نحو المعنى الذي فيه القول أي {واسع} الفضل {عليم} بمستحق التوسعة والإغناء.
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ}.
{استعف} وزنه استفعل ومعناه طلب أن يكون عفيفًا، فأمر الله تعالى في هذه الآية كل من يتعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعف، ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله، فعلى هذا التأويل يعم الأمر بالاستعفاف كل من تعذر عليه النكاح بأي وجع تعذر، وقالت جماعة من المفسرين النكاح في هذه الآية اسم ما يمهر وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ويلبس، قال القاضي وحملهم على هذا قوله: {حتى يغنيهم الله من فضله} فظنوا أن المأمور بالاستعفاف إنما هو من عدم المال الذي يتزوج به، وفي هذا القول تخصيص المأمورين بالاستعفاف وذلك ضعيف، ثم أمر الله تعالى المؤمنين كافة أن يكاتب منهم كل من له مملوك، وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه {خيرًا} قال النقاش سببها أن غلامًا لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، وقال مكي هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ {الكتاب} في الآية مصدر كالقتال والجلاد ونحوه من مصادر فاعل، والمكاتبة مفاعلة من حيث هذا يكتب على نفسه وهذا على نفسه، واختلف الناس هل هذا الأمر بالكتابة على الوجوب أو على الندب على قولين، فمذهب مالك رحمه الله أن ذلك على الندب، وقال عطاء ذلك واجب وهو ظاهر قول عمر لأنس بن مالك في سيرين حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس فقال عمر كاتبه أو لأضربنك بالدرة، وهو قول عمرو بن دينار والضحاك، واختلف الناس في المراد ب الخير، فقالت فرقة: هو المال ولم تر على سيد عبد أن يكاتب إلا إذا علم أن له مالًا يؤدي منه أو من التجر فيه، وروي عن ابن عمر وسلمان أنهما أبيا من كتابة عبدين رغبا في الكتابة ووعدا باسترفاق الناس، فقال كل واحد منهما لعبده أتريد أن تطعمني أوساخ الناس، وقال مالك إنه ليقال الخير القوة والأداء، وقال الحسن بن أبي الحسن الخير هو صدق الموعد وقلة الكذب والوفاء وإن لم يكن للعبد مال، وقال عبيدة السلماني الخير هو الصلاح في الدين عَ وهذا في ضمنه القول الذي قبله، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وحرمة العتق إنما يتلبس بها بعد الأداء هذا قول جمهور الأمة، وقال ابن مسعود إذا أدى ثلث الكتابة فهو عتيق غريم، وقال علي بن أبي طالب العتاقة تجري فيه بأول نجم، وقوله تعالى: {وآتوهم} قال المفسرون هو أمر لكل مكاتب أن يضع للعبد من مال كتابته، واستسحن ذلك علي بن أبي طالب أن يكون ذلك ربع الكتابة، قال الزهراوي وروي ذلك عن النبي عليه السلام، واستحسن الحسن بن أبي الحسن وابن مسعود ثلثها وقال قتادة عشرها، ورأى عمر بن الخطاب أن يكون ذلك من أول نجومه مباردة إلى الخير خوف أن لا يدرك آخرها، ورأى مالك رحمه الله وغيره أن يكون الوضع من آخر نجم، وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد، فرجع هو وماله إلى السيد، فعادت إليه وضيعته، وهي شبه الصدقة، وهذا قول عبدالله بن عمر، ورأى مالك رحمه الله هذا الأمر على الندب ولم ير لقدر الوضيعة حدًا، ورأى الشافعي وغيره الوضيعة واجبة يحكم بها الحاكم على المكاتب وعلى ورثته، وقال الحسن والنخعي، وبريدة إنما الخطاب بقوله تعالى: {وآتوهم} للناس أجمعين في أن يتصدقوا على المكاتبين وأن يعينوهم في فكاك رقابهم، وقال زيد بن أسلم إنما الخطاب لولاة الأمور بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم وهو الذي تضمنه قوله تعالى: {وفي الرقاب} [البقرة: 177].
قوله عز وجل: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين}.
روي أن سبب هذه الآية هو أن عبدالله بن أبي ابن سلول كانت له أمة تسمى مسيكة، وقيل معادة، فكان يأمرها بالزنا والكسب به، فشكت ذلك إلى النبي عليه السلام، فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين وقوله: {إن أردن تحصنًا} راجع إلى الفتيات، وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يتصور ويمكن أن يكون السيد مكرهًا، ويمكن أن ينهى عن الإكراه وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن، فلا يتصور أن يقال للسيد لا تكرهها لأن الإكراه لا يتصور فيها هي مريدة للزنا، فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه، وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين فقال بعضهم قوله: {إن أردن} راجع إلى {الأيامى} [النور: 32] في قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} وقال بعضهم هذا الشرط في قوله: {إن أردن} ملغى ونحو هذا مما ضعف والله الموفق للصواب برحمته، وعرض {الحياة الدنيا} في هذه الآية الشيء الذي تكتسبه الأمة بفرجها ومعنى باقي الآية بين {فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} بهن، وقد يتصور الغفران والرحمة بالمكرهين بعد أن تقع التوبة من ذلك، فالمعنى {غفور} لمن تاب، وقرأ ابن مسعود وجابر بن عبدالله وابن جبير {لهن غفور رحيم} بزيادة {لهن} ثم عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيها أنزل إليهم من الآيات المنيرات، وفيما ضرب لهم من أمثال الماضين من الأمم، ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه وفيما ذكر لهم من المواعظ، وقرأ جمهور الناس {مبينَّات} بفتح الياء أي بينها الله تعالى وأوضحها، وقرأ الحسن وطلحة وعاصم والأعمش {مبيِّنات} بكسر الياء أي بينت الحق وأوضحته. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأَنْكِحُوا الأيامى}.
وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، يقال: رجل أيِّم وامرأة أيِّم، ورجل أرمل وامرأة أرملة، ورجل بِكر وامرأة بِكر: إِذا لم يتزوجا، وامرأة ثيِّب ورجل ثيِّب: إِذا كانا قد تزوجا، {والصالِحين من عبادكم} أي: من عبيدكم، يقال: عَبْد وعِبَاد وعَبِيد، كما يقال: كَلْب وكِلاَب وكَلِيب.
وقرأ الحسن، ومعاذ القارىء: {من عَبيدكم}.
قال المفسرون: والمراد بالآية الندب.
ومعنى الصلاح هاهنا: الإِيمان.
والمراد بالعباد: المملوكون، فالمعنى: زوِّجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم.
ثم رجع إِلى الأحرار فقال: {إِن يكونوا فقراء يُغْنِهِمُ الله من فضله} فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر.
قوله تعالى: {وليَسْتَعْفِف الذين لا يجدون نكاحًا} أي: وليْطلب العِفَّة عن الزنا والحرام مَن لايجد ماينكح به من صداق ونفقة.
وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يامعشر الشباب عليكم بالباءة، فمن لم يجد فعليه بالصيام فانه له وجاء».
قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب} أي: يطلبون المكاتبة من العبيد والإِماء على أنفسهم، {فكاتبوهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه مندوب إِليه، قاله الجمهور.
والثاني: أنه واجب، قاله عطاء، وعمرو بن دينار.
وذكر المفسرون: أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزَّى يقال له: صبيح، سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، فنزلت هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارًا.
قوله تعالى: {إِن علمتم فيهم خيرًا} فيه ستة أقوال:
أحدها: إِن علمتم لهم مالًا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، والضحاك.
والثاني: إِن علمتم لهم حيلة، يعني: الكسب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: إِن علمتم فيهم دينًا، قاله الحسن.
والرابع: إِن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: إِن أقاموا الصلاة، قاله عبيدة السلماني.
والسادس: إِن علمتم لهم صدقًا ووفاءً، قاله إِبراهيم.